غزّيون يروون لـ"القسطل" عن مشاعرهم عندما زاروا القدس لأول مرة
القدس المحتلة - القسطل: شوق الغزيين للقدس الذين دفعوا ثمن الانتصار لها حربا، لا ينقطع، ومن السلف إلى الخلف، تظل القدس حاضرة في وجدان الغزيين على اختلاف أعمارهم وطبقاتهم الاجتماعية وميولهم السياسية. ثمة جيل زار القدس وآخر تعرّف عليها من خلال حكايات أسلافه، وبين زمنين تظل القدس حاضرة في الذاكرة الفلسطينية والشعور الجمعي والوجدان الشعبي .
في الطريق إلى بيت الحاجة فريال الحلبي "أم محمد" كانت غزة تبدو على غير طبيعتها، فشوارعها مكتظة بعد اتفاق وقف إطلاق النار، وثمة حركة نشطة للغزيات اللاتي تزاحمن لشراء ما تيسر من لوازم لهن. إيقاع صاخب بدل ملامح المدينة الهادئة، فبدت مضطربة، ورغم هذا الصخب إلى أنه يبعث الطمأنينة أن غزة على قيد الحياة.
أم محمد رحبت بنا بحفاوة وكعادة الغزيين في إكرام الضيف طلبت منا أن نجلس في صدر البيت، ولم تمنعها أمراضها وثقل ستين سنة على كاهلها من منحنا ابتسامة دافئة كفيلة بإذابة أي جليد بينها وبيننا، وعند سؤالنا لها عن القدس والأقصى لمعت عيناها، فلا ندري أتداري دمعاً أم تستحضر ذكرى فيها كثير من السعادة.
قالت أم محمد :" أكرمني الله بزيارة القدس أكثر من عشر مرات، أغلبها كانت للعلاج، وأصدقكم القول، حين وقفت على أعتاب القدس لأول مرة تخلصت من أسقامي، وثمة مشاعر دفينة أوقدت روحي وجسدي الضامر الذي تعامد واتسق، وأنا أتوحد مع هذا المشهد المهيب الذي يروي الظمأ، وتتملك المرء حالة من السلام والسكينة "، مشيرة إلى أنها كانت دوماً تختلس اللحظات لتزور الأقصى وتصلي فيه وتشارك المقدسيين حياة النعيم في الرباط بالأقصى والقدس.
أطلقت أم محمد تنهيدة؛ وهي تسترجع شريط الذكريات لعشرات السنوات وتضيف "حين كنا صغارا كانت قدسنا متاحة في أي وقت نشاء، وكنا نزورها دوماً، أما الآن فلا سبيل لنا لزيارتها إلا من خلال تصاريح للعلاج أو ما شابه والزيارة تكون بشق الأنفس".
وتتابع " في زيارتي الأخيرة أقمت في فندق بسلوان، وحين أنهيت فترة العلاج، غادرتها على مضض، فالنفس يطيب لها المقام في مدينة السلام، التي حولها المحتل إلى ثكنة عسكرية، وليت العمر يطول لأراها مرة أخرى بلا قيود ولا بوابات إلكترونية ولا كلاب بوليسية، فذلك لا يليق بمدينة أوجدها الله لمنح البشرية الدفء والسلام والأمان".
واختتمت حديثها بالقول :"تعجز المفردات عن وصف القدس فهي البداية والنهاية وهي شوكة القلب التي توخز عواطفنا، وهي عروسنا التي اختطفت ليلة زفافها، القدس أكبر من الكلام وبوح سيدة مسنة مثلي بالكاد تنتقي مفرداتها لسرد بعض فصول الحكاية .
مشقة ممتعة
وداد عرفات "أم العبد" سيدة فلسطينية تجاوزت السبعين، هي أيضاً زارت القدس 3 مرات مع ابنتها للعلاج، والتي اتفقت مع أم محمد أن زيارة القدس قديماً كانت سهلة وحولها الاحتلال اليوم لضرب من المستحيل.
وتقول أم العبد :" كنا نرى بأعيننا كيف يحاول جنود الاحتلال والمستوطنون استفزاز المقدسيين، وافتعال مشاكل حتى يتنسى لهم اقتحام الأقصى أو طرد المصلين، فما يجري من مواجهات في الأقصى أو أي منطقة بالقدس هي مفتعلة من الاحتلال ليتمكن من خلالها فرض أو تمرير سياسات جديدة".
وتضيف "هنا لا بد من أن أذكر صمود وقوة المقدسيين في الدفاع عن القدس والأقصى، وكنا نفخر عندما نكون إلى جوارهم في ذلك"، موضحة أنه في كل مرة تعود فيها إلى غزة تجمع الأطفال والشباب لتحدثهم عن القدس التي يسمعون عنها ويرجون رؤيتها.
محرومون ولكن مع أمل
كثير من الغزيين محرمون من زيارة القدس، خاصة بعد اندلاع الانتفاضة عام 2000 وفرض الاحتلال الإغلاق على غزة، وما تبعه من فرض حصار عام 2007، لؤي حجازي صحفي فلسطيني في العقد الثالث من العمر، ممن شب على حكايا الأجداد عن القدس ولم يسبق له زيارتها، ولكنه يشعر أن القدس جزء اصيلا منه.
يقول الصحفي حجازي : "أتمنى زيارة القدس والأقصى، فأنا لم أزرها في حياتي، أصدرت بطاقة هوية لي في عام 2008، ومنذ ذلك الوقت الأوضاع السياسية الساخنة تحول دون زيارة أهالي القطاع للقدس خاصة الشباب".
ويضيف حجازي "أشعر بمزيج من الفخر والعجز عندما أرى شباب القدس وهم يتصدون لاعتداءات إسرائيل ومستوطنيها على القدس والأقصى، فخر لما يقوم به هؤلاء الشباب نيابة عن العالم ككل، وعجز لأنني لا أملك أن أناصرهم إلا من خلال عملي الصحفي".
ويتابع مبتسماً "المقدسيون حينما ينتصرون بإرادتهم على أعتى قوى عسكرية في المنطقة، هذا يشعل في قلوبنا فتيل الأمل بأن أصحاب الحق سينتصرون، مهما خذلهم من حولهم".
. . .